كتب – رنا الجميعي ودعاء الفولي:
بدا يومًا مألوفًا للطلاب، عناصر الأمن تقوم بالتفتيش، أطفال يبيعون المناديل بالخارج، الشرطة تراصت على الجهة الأخرى تراقب الوضع، عربتان تتبعان العمليات الخاصة، تحميهما بضعة سيارات أمن مركزي بالخلف مملوءة بالجنود، تليهم دباباتان تابعتان للقوات المسلحة، أقدام تُهرول داخل الحرم، من مكتب لتصوير أوراق الاستذكار، إلى مُحاضرة أخيرة، يتحسسون منها ما استطاعوا من العلم، انتهى الفصل الدراسي الثاني بعد بدايته ب40 يومًا -هكذا أعلنت الجامعة بأوامر ''سيادية''- شاركهم فيها الغاز المسيل للدموع والرصاص وسقوط قتلى.. كعابر سبيل جاءت الدراسة بجامعة القاهرة ومرت دون فائدة يذكرها أحدهم.
قررت وزارة التعليم العالي إنهاء الفصل الثاني يوم 23 من إبريل، حيث تم التصريح بإجراء الامتحانات في السابع عشر من مايو المقبل، ليتم التراجع عن هذا القرار ويتم تقديمها ليوم الثالث من مايو، وهو ماكان مفاجئًا للطلاب الذين لم ينتهوا بعد من موادهم الدراسية.
منذ أربع سنوات جاءت ''شيماء شكري'' من محافظة المنوفية، تبتغي التعلم، أقنعت الأهل بالالتحاق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، بجامعة القاهرة، مرت 3 سنوات من عمر دراستها على ما يرام، إلا أن عامها الأخير كان مختلف، الطالبة التي لم تبلغ العشرين بعد، وتقطن في المدينة الجامعية عانت الأمريّن، بين محاولة التمسك بالتواجد في القاهرة للدراسة، وحماية نفسها من آثار اشتباكات الجامعة المتكررة في الفصل الدراسي الثاني ''بقى فيه حالة قلق داخل المدينة أكتر من الأول''، الخوف لم يكن من الأحداث فقط، بل على الفتاة وزميلاتها ملاحقة تسليم تكليفات عديدة متعلقة بمشروع التخرج ''ولازم نناقش ونقدم خطة أولية، لكن بسبب اللي حصل المشروع اتكروت''.
التوتر العام وتقديم الامتحانات في الجامعة أصاب آل المدينة بضرر عظيم، حيث امتنعت الفتيات عن السفر في إجازة الربيع الأخيرة نتيجة معرفتهن بميعادها الأخير ''قررنا نقعد عشان نلحق نذاكر ونجيب ورق''، أما طالبة السنة الأخيرة بقسم السياسة بالكلية، فُيعييها سقوط قتلى من الطلبة أكثر من الغاز والرصاص، تُحمل المسئولين دماءهم، وكذلك بعض الطلبة الذين يقومون بالتخريب على حد قولها ''الطالب لما ينزل يتظاهر ضد الظلم هو من حقه ولازم الدولة تحميه لكن أنا بعيب على اللي بينزل يكسر أو يخرب''.
أمام الباب الرئيس لكلية الاقتصاد وعلوم سياسية، ازدادت تجمعات الطلبة، ضحكات تتعالى، مناقشات سياسية، أصوات سيارات الأمن المركزي تظهر في الخلفية من حين لآخر، طالبات قررت الاحتفال باليوم الأخير للدراسة؛ أمسكت إحداهن بالهاتف، التقطت لها معهن صورة ''سيلفي''، طلاب انشغلوا بإنهاء إجراءات زملائهم المعتقلين منذ أحداث الجامعة في 16 يناير الماضي، كي لا يضيع عليهم الفصل الدراسي.
تتراكم الأبحاث ومهام مشروع التخرج على ''هاجر هشام''، الطالبة بقسم الإذاعة بكلية الإعلام، ''مخلصناش حاجة''، ويأتي مشروع التخرج الذي تقوم به ''هشام'' مع زملائها ليصبح حملًا ثقيلًا، فلم ينتهوا بعد من تصوير المشروع حتى يدخلوا للمرحلة الأخيرة ''محدش لسة بدأ في المونتاج''، وعدم استطاعتهم الضغط لإنهاء المشروع في وقت أقل ''ملتزمين بمواعيد مع المصادر مينفعش نلغيها''.
بالإضافة إلى المشروع تأتي المواد الدراسية لتصبح عاملًا على زيادة الضغط على الطلبة ''مخدناش حاجة''، وبالرغم من محاولة الطلبة للتحدث مع الأساتذة لمراعاتهم في جدول الامتحانات إلا أن ''محدش عاوز يتحمل المسئولية، والكل بيرميه على مجلس الكلية''. ترى ''هاجر'' أنه لا جدوى من هذا الفصل الدراسي ''إيه لازمته، كانوا يلغوه''.
متنقلًا بين جامعة القاهرة وقاعات دراسته بكلية الهندسة كان ''نور''، بحقيبة على الظهر، نظارات شمسية، يتحرك بانطلاق، لا يعنيه أن ثمة مظاهرة تلوح في الأفق، إحدى قاعات قسم ''عمارة'' حيث يدرس هي الأقرب للأحداث ''أحنا اتعودنا على اللي بيحصل لدرجة إننا بنبقى عارفين هنتجمع فين ونمشي إزاي لما الضرب يبدأ''، لم تسلم كليته من رصاصات اخترقت زجاج نافذة المحاضرة، طالبة جُرحت داخل نفس القاعة، أو طالب يُقتل برصاصة؛ فتتغير بعده الأحوال تمامًا.
''من ساعة ما محمد رضا اتقتل وأحنا محبطين''، يذكر طالب الهندسة يوم إرداء ''رضا'' قتيلًا في نوفمبر 2013، ينظر له كتاريخ فاصل في تعامل الطلبة مع التظاهرات بهندسة القاهرة ''بعدها علطول كان فيه حالة غضب شديدة جدًا من الطلبة اللي ليهم في السياسة وملهمش''، مع الوقت بدأت حدة اهتمامه بالتظاهرات تضعف، يرى بعينيه نتيجة خروجها في كل مرة ''الداخلية غلطانة إنها بتضرب. بس الإخوان إدوها أرضية إنها تعمل كدة''.
''الحق في الحياة''، هكذا يصف ''نور'' خروج البعض في التظاهرات ''كل ما واحد بيموت فيه عشرة هيخرجوا عشانه''، بينما تتعامل الشرطة بعنف أكثر من اللازم مع التظاهرات في مقابل مقتل أحد أعضاءها ''زي عميد الأمن المركزي اللي عربيته اتفجرت الصبح الظباط والعساكر أكيد بيغلوا''، في النهاية يخسر الطرفان على حد قول الطالب.
كتابات على حوائط الجامعة تُظهر تطور الأحداث خلال ثلاثة أعوام أعقبت ثورة يناير، من جرافيتي صغير لأحد شهداء محمد محمود، يتبعها عبارات ''إرحل'' للمجلس العسكري تارة، وللرئيس السابق ''مرسي'' وجماعته مرات، وأخرى تنديدا بالمشير ''السيسي'' من قبل شباب الإخوان، تعقبها عبارات ''يسقط الانقلاب''، فيما يتندر عليها البعض؛ معتبرين أن المتظاهرين أعطوا الفرصة للشرطة كي تستبيح حرم الجامعة بسبب ''بعض المزايدات''، كما يقول طالب الهندسة.
بكلية الإعلام يكون الاعتماد على المحاضر الذي يقدم المادة التعليمية ''معندناش كورسات'' تقول ''رنا سعيد''، طالبة بالسنة الرابعة، تدرس ''سعيد'' مادة تقدم تكنولوجيا الاتصال، والتي لا يتاح لها كتاب دراسي ''المادة معتمدة على شرح الدكتورة ومبيكونش بالتفصيل''، وبذلك تكون قلة المحاضرات أكبر هم لهذه المادة ''لو غبت يوم مش هقدر آخد الجزء اللي فاتني''، سبعين درجة لتقييم المواد بالكلية لإضافة درجة ''الميدترم'' المُلغى وأعمال السنة ''مستقبلي كله في ورقة''.
أربعين يومًا بالتقريب هي المدة التي شملت الترم الثاني مضافًا إليها بعض الإجازات ''ترم خالي من المحتوى الدراسي''، يقول ''محمد سعد'' عضو اتحاد الطلاب بكلية سياسة واقتصاد، والطالب بالسنة الثالثة، بالإضافة إلى أحداث العنف التي يحضرها الطلبة مما يترتب عليها إلغاء المحاضرات.
مع قرار إلغاء ''الميدترم'' قام بعض الأساتذة بجراء بعض الامتحانات بشكل فردي، حتى يتاح لهم تقييم الطلاب بطريقة أفضل، والبعض الآخر قام بتكليفهم بعمل الأبحاث لحساب الدرجات ''الطلبة بذلوا مجهود''، ولكن هناك من لا يود إلغاء بعض أجزاء من المنهج ليتمكن الطلاب من مذاكرة الباقي، وبعض المواد العملية لا يكفيها الوقت المتبقي ''فيه مادة عبارة عن إن الطلبة بيعملوا خطة بحثية، وهما ميعرفوش ازاي يعملوها''.
يستنكر ''سعد'' اللهجة التي تغيرت للمسئولين، ففي بداية الفصل الثاني كان التحدث عن الحفاظ على المسيرة التعليمية ليتغير الخطاب الآن لمصلحة الوطن أولًا ''دلوقت مفيش أي مسيرة تعليمية خالص''.
أمل الطلبة انحسر في وقت كافي للمذاكرة لكن فوجئوا بتقديم موعد الامتحانات ''الطلبة مبتقدرش تيجي في العنف اللي حاصل وكانوا فاكرين إن فيه وقت''، ومن جهة أخرى يحاول الاتحاد التنسيق مع الكلية لتحديد المحتوى المخصص للامتحانات، وعمل جدول امتحانات يراعي الطلبة.
لم تترك ''أماني بهجت'' طالبة جامعة القاهرة، اشتباكًا إلا ورأته ''من باب الفضول''، لم تدرك إلا 40% من المحاضرات، تواجدها بكلية الإقتصاد يجعلها قريبة من حركة المسيرات ''كانوا بيبدأوا من دار علوم ويعدوا عندنا واللي إخوان من الكلية بينزل معاهم''، تُغلق الكلية أبوابها حين مرورهم، تحسبًا لأي مشادات بين الطلبة من الاتجاهات المختلفة، بينما لا تخل الذكريات من مواقف طريفة، منها إصرار أحد المدرسين بالكلية إكمال الطلاب امتحانهم بينما تدوي أصوات انفجار جامعة القاهرة بالخارج ''كان كويز إحصاء والدكتورة منزلتش البنات إلا لما خلصوا''.
للاشتباكات أيام، تعرفها الطالبة ''بهجت'' وزملائها قبل أن تحدث ''دايماً بيبقى يوم الحد والأربع بيحصل حاجة''، يطلقون على الأول ''حد التسخين''، والثاني ''أربع الأكشن''، منذ بدء الموسم الدراسي لم يمر أحدهما بسلام على حد قولها.
بينما تقترب الساعة من الثانية ظهرًا ''ودة دايمًا الوقت اللي بيحصل فيه اشتباكات'' على حد قول ''محمد''، كانت مجموعة من طالبات وطلبة أسفل برجيلة خشبية، عُلقت على أطرافها بالونات، وأدوات زينة، بينما ارتدى من بداخلها ''طراطير''، يسمع أصواتهم المارة المسرعون لخارج الحرم، خوفًا من بدء الاشتباكات، التفتيش لازال مُستمرًا عند البوابة الرئيسية، الكلاب تتحسس بأنوفها السيارات، عربات الأمن المركزي باتت أكثر استعدادًا، وعددًا، اصطف العساكر بشكل منتظم، ممسكين ببنادق الخرطوش، سيارات العمليات الخاصة التي تحوي شبكة مربعة أعلاها حوت أحد الضباط، أخرج فوهة سلاحه منها، الطلاب يخرجون أشتاتًا من الباب الرئيسي، بهدوء حذر، فيما تعلن ساعة الجامعة عن انتهاء الدراسة، لتبدأ فعالية ''حفلة الاشتباكات'' من جديد.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنااقرأ أيضا:
''نحو استراتيجية فاعلة للثقافة المصرية''.. ندوة باتحاد الكتاب الأحد